للبطالة المقنعة وجوه عديدة!

للبطالة المقنعة وجوه عديدة!

  • للبطالة المقنعة وجوه عديدة!

افاق قبل 8 شهر

للبطالة المقنعة وجوه عديدة!


من بين ما أصاب الدول النامية من مشكلات مستعصية، تفاقم مشكلة البطالة في مواردها الاقتصادية، وما تمخض عنها من ضعف شديد فى طاقتها على النمو الاقتصادي. فعلى الرغم من حاجة هذه الدول الماسة للنمو المولد من التوظيف الكامل والكفء لمواردها الاقتصادية، إذا بمظاهر البطالة تنتشر عبر خريطتها الاقتصادية، ويتعطل جزء مهم مما تملكه من موارد، ولا يساهم الجزء الآخر بكفاءة في أنشطتها الإنتاجية.
وإذا كانت الدول المتقدمة تعانى هى الأخرى من مشكلة البطالة، لكن هناك خلافا جوهريا بينها وبين الدول النامية فى نوعية وعمق تلك المشكلة، وللدرجة التى تمكننا من القول بأننا لسنا أمام مشكلة بطالة واحدة، بل بطالتين: «بطالة متقدمة» و«بطالة نامية»!
****
عندما تُذكر مشكلة البطالة، فإن المعنى الذى يذهب إليه ذهن القارئ مباشرة هو وجود شخص يقدر على العمل، ويبحث عن فرصة مناسبة فى سوق العمل، ولكنه، مع ذلك، لا يجدها. وهذا المعنى على صحته، فهو يُعبر فقط عن التعريف الضيق للبطالة السافرة. 
أما البطالة السافرة بمعناها الواسع فإنها لا تقتصر على تعطل نسبة من قوة العمل، وانتفاء مشاركتها فى العملية الإنتاجية فحسب، بل تشمل كذلك تعطل بعض الموارد المالية والطبيعية عن المشاركة فى تلك العملية. فعندما تتكدس الموارد المالية فى الجهاز المصرفى دون أن تُمول الاستثمار المنتج، وعندما توجد موارد طبيعية غير مستغلة فى الإنتاج، فإن ذلك يضاف إلى رصيد البطالة السافرة بالمعنى الواسع لهذه المشكلة المستعصية.
وبغض النظر عن ضيق واتساع المفهوم السابق للبطالة السافرة، فإن الدول النامية تتفرد بنوع إضافي من أنواع البطالة، ألا وهو البطالة المقنعة
فإلى جانب انتشار البطالة السافرة بمفهومها الواسع فى جسدها الاقتصادى، فإن هذه الدول تعانى من:_


أولا: التعارض بين عدد موظفي الحكومة وبين إنتاجيتهم الكلية. فالتوظيف الحكومي للموارد البشرية لاعتبارات غير اقتصادية ساهم، إلى جانب عوامل أخرى، فى ترهل الجهاز الحكومي، وفى وجود ظاهرة «عاملون لا يعملون». فهناك شطر لا بأس به فى صفوف العاملين الحكوميين ليست لهم أية قيمة إنتاجية مضافة، ويشكلون عبئا شديدا على كاهل الإنتاجية الحكومية.


ثانيا: التناقض بين وفرة وتنوع الموارد الطبيعية وبين العوائد المولدة من توظيفها فى العملية الإنتاجية. فأغلب الدول النامية تمتلك موارد طبيعية وفيرة. ومع ذلك، لا تستخدم تلك الموارد في أوجه استخدام مرتفع القيمة المضافة. 
فبين تبديد جانب من تلك الموارد محليا فى أنشطة أولية غير مُفيدة تنمويا، وبين تصدير جانب آخر منها فى شكله الخام رخيص الثمن، تضيع على تلك الدول عوائد اقتصادية متنوعة، وتفقد موردا طبيعيا قد لا تجود به الطبيعة مرة أخرى (حالة الموارد الطبيعية الناضبة كالنفط)

.
ثالثا: التفاوت بين المدخرات المالية فى البنوك المحلية وبين العوائد من استثمار تلك المدخرات. فعلى الرغم من تواضع الجهد الادخاري فى أغلب البلدان النامية، فإن معظم الموارد المالية المتاحة فى البنوك تذهب لتمويل أنشطة استهلاكية (للحكومة والقطاع العائلى) وخدمية منخفضة العائد التنموى. وفى المقابل، تتصاغر حصة الأنشطة الصناعية التنموية من تلك الموارد الشحيحة.
والحق، أن المزج بين العناصر الثلاثة السابقة يظهر إلى أى مدى تعانى أغلب البلدان النامية من تفاقم ظاهرة البطالة المقنعة، ويكشف للقارئ أن مشكلة البطالة المقنعة ليست مجرد وجود عامل حكومى لا يعمل، كما يشير تعريفها الشائع؛ بل هى أيضا مورد طبيعى لا يستخدم بكفاءة اقتصادية، وأموال لا تستثمر فى وجهتها التنموية الصحيحة.
****

 

 

التعليقات على خبر: للبطالة المقنعة وجوه عديدة!

حمل التطبيق الأن